الاثنين، 7 يونيو 2010

خلق المسلم : محمد الغزالي

-->
الكتاب : خلق المسلم
المؤلف : محمد الغزالي
الناشـــر: دار القلم بدمشق
في بداية الكتاب يؤكد المؤلف - رحمه الله - أن العبادات التي شرعت في الإسلام، واعتبرت أركاناً في الإيمان به، ليست طقوساً مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة.
كلا، كلا ففرائض الإسلام هي تمارين متكررة لتقوية المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة وأن يظل متمسكاً بهذه الأخلاق، مهما تغيرت أمامه الظروف. فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فتبعد المسلم عن الرذائل وتطهره من سوء القول والفعل .
والزكاة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي أولاً غرس لمشاعر الحنان والرأفة، و توطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات. والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل، بل لقد عدّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلمة الطيبة صدقة وتبسم الرجل في وجه أخيه صدقة ... وكثير غيرها من الأعمال .
والصوم ليس حرماناً من الأطعمة والأشربة فقط؛ بل هو خطوة إلى حرمان النفس دائماً من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة.
والسفر إلى البقاع المقدسة ليس رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، وتعبدات غيبية محضة كيف يكون ذلك والله عز جل يقول ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) "البقرة 197".
فالعلاقة متينة بين الدين والخلق بل قد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - الغاية من رسالته فقال ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
فالصلاة والصيام والزكاة والحج، وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام، هي مدارج الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها. ولهذه السجايا الكريمة - التي ترتبط بها أو تنشأ عنها - أعطيت منزلة كبيرة في دين الله.
فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكي قلبه، وينقي لبّه، ويهذب بالله وبالناس صلته، فقد هوى.
وضعف الخلق دليل على ضعف الإيمان فبعض المنتسبين إلى الدين، قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة، ويظهرون في المجتمع العام بالحرص على إقامتها وهم - في الوقت نفسه - يرتكبون أعمالاً يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق.
إن نبيَّ الإسلام توعد هؤلاء الخالطين، وحذر أمته منهم.
والحكمُ على مقدار الفضل وروعة السلوك يرجعُ إلى مسبار لا يُخطئ، وهو الخُلُق العالي!.
وفي هذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال له: يا رسول الله ! إن فلانة تُذكرُ من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: "هي في النار".
ثم قال : يا رسول الله ! فلانة تُذكرُ من قلة صلاتها وصيامها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط - أي بالقطع من اللبن - ولا تؤذي جيرانها. قال : " هي في الجنة ".
وفي هذه الإجابة تقدير لقيمة الخلق العالي وفيها - كذلك - تنويه بأن الصدقة عبادة اجتماعية، يتعدى نفعها إلى الآخرين، ولذلك لم يفترض التقلل منها كما افترض التقلل من الصلاة والصيام، وهي عبادات شخصية في ظاهرها.
والمتدين الذي يباشر بعض العبادات ، ويبقي بعدها بادي الشر، كالح الوجه، قريب العدوان، كيف يحسب أمرؤأً تقياً ؟!!
إن الخلق الحسن هو الثمرة الدانية للإيمان الواضح والعمل الصالح.
ويبين الشيخ الغزالي كذلك أن دائرة الأخلاق وحسن التعامل والسماحة والوفاء والمروءة والتعاون والكرم وغيرها تشمل جميع الناس بمن فيهم غير المسلمين. ويختم مدخله للكتاب بقوله :
إن الخلق في منابع الإسلام الأولى - من كتاب وسنة - هو الدين كله، وهو الدنيا كلها. فإن نقصت أمة حظاً من رفعة في صلتها بالله، أو في مكانتها بين الناس فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها.
وذكر المؤلف ما أمر الإسلام به من فضائل، وبين أنه لم يقصد إلى ترتيب معين في تقديم فضيلة على أخرى.
وقد شملت فصول الكتاب هذه الأخلاق وهي :
الصدق، الأمانة، الوفاء،الإخلاص، أدب الحديث،سلامة الصدر من الأحقاد، القوة، الحلم والصفح، الجود والكرم، الصبر، القصد والعفاف، النظافة والتجمّل والصحة، الحياء، الإخاء، الاتحاد، اختيار الأصدقاء، العزة، الرحمة، العلم والعقل، الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن.
ويعرض الغزالي كل خلق من هذه الأخلاق في عدة صفحات، ويؤكد في كل فصل أن الخلق الحسن وسط بين طرفين، وفضيلة بين رذيلتين:
كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
وأن التحلي بالأخلاق والفضائل يحتاج إلى قوة في الإرادة وصلابة في العزيمة :
لولا المشقةُ سادَ الناسُ كلهمُ
الجودُ يفقرُ والإقدامُ قتّالُ
ويبين أن تاريخ الحياة من بدء الخلق إلى اليوم مؤسف ! ومن الحق أن يشق المرء طريقه في الحياة وهو موقن بأنه غاص بالأشواك والأقذاء.
بل قد شوهد أن عدوى السيئات أشد سرياناً وأقوى فتكاً من عدوى الحسنات. ففي أحيان كثيرة تنتقل عدوى التدخين من المصاب بها إلى البريء منها، ويندر أن يقع العكس. ولا عجب فقد ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ).
وفي حديثه عن الرحمة بين أنها ليست حناناً لا عقل معه، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام. كلا إنها عاطفة ترعى هذه الحقوق جميعاً، فلو منعت العاطفةُ السريعةُ إيقاعَ العقوبات على المجرمين لامتلأت الأرض فوضى.
( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
لكن القسوة في خلق إنسان دليل نقص كبير، وفي تاريخ أمة دليل فساد خطير.
وخلاصة هذا الكتاب هي قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( إن العبد المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم )، ولما سئل عليه السلام : عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) وعن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال : ( الفمُ والفرج ).
ومؤلف هذا الكتاب الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - داعية وعالم ومفكر إسلامي غني عن التعريف، تربت على كتبه ومقالاته وخطبه ومحاضراته وبرامجه الإذاعية والتلفزيونية أجيال وأجيال من العامة والخاصة، ومن صفاته: أنه يتميز بأسلوب ندي روحاني، يخاطب القلب والعقل معاً، وهذا أثر من آثار القرآن الكريم في فكره ونفسه.
فعندما تقرأ له تعيش في عالم آخر وتحلّق فوق الواقع ؛ فهو صاحب لغة جميلة سلسة جذابة شيقة رائعة فحينما يتكلم أو يكتب لا تريد منه أن يتوقف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق