الاثنين، 7 يونيو 2010

حتى يغيروا ما بأنفسهم : جودت سعيد

-->
الكتاب : حتى يغيروا ما بأنفسهم.
المؤلف : جودت سعيد.
الناشر: دار الفكر المعاصر -بيروت.
الكتاب دراسة تفصيلية توضيحية عميقة عن هذه السنة الإجتماعية القرآنية الإلهية.
يحاول فيها المؤلف أن يوضح أن أساس مشكلة تخلف المسلمين هو جهلهم أن مشكلتهم تخضع لقوانين يمكن كشفها وتسخيرها، وأن الدعوات التي تركت أثرها العميق في تاريخ البشرية إنما بدأت تأثيرها على نفس الإنسان وفكره فغيرتهما، وأن هذا التغيير يخضع لقواعد وقوانين هي سنن الله في النفس والمجتمع التي يرتقي المجتمع أو يتخلف بحسبها، وأن تغيير ما بالنفس هي وظيفة الإنسان.
ويبدأ الكتاب بتقديم موجز للمفكر الإسلامي الكبير مالك بن نَبي - رحمه الله - فيه تلخيص لفكرة الكتاب وثناء عليه وعلى مؤلفه وعمق ثقافته.
ويقول المؤلف في مدخل الكتاب :
" في شباب العالم الإسلامي من عندهم استعداد لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الإسلام، ولكن قل أن تجد فيهم من يتقدم ليبذل سنين من عمره ليقضيها في دراسة جادة، لينضج موضوعاً، أو يصل به إلى تجلية حقيقية، مثلاً كمشكلة الانفصال الذي يعيشه المسلم بين سلوكه وعقيدته، إذ كثير من الأسئلة التي تطرح، ولا جواب شافياً لها، مع أنه لا يمكن التغيير من وضع إلى وضع، إلا بعد إجابة موضوعية عن هذه الأسئلة، ولا يمكن ذلك إلا بعد الدرس والتحصيل.
والسبب في بطء نمو دراسات من هذا النوع، هو أنه لم تكشف بعد قيمة الدراسة في الوسط الإسلامي، الذي ظل وقتاً طويلاً يرى؛ السيف أصدق أنباء من الكتب، ولم يكن اتجاهه إلى أن الرأي قبل شجاعة الشجعان. "
ويضيف بعد ذلك : " أن من الأمور الخفية الجلية معاً، على شباب العالم الإسلامي، خفاء ما يجعل مثل إنتاج، المودودي، وسيد قطب، وإقبال – رحمهم الله - وغيرهم من الكتاب، الذي يوصي المربون بدراسة إنتاجهم الفكري - والتي على أساسها يعرض الإسلام مجدداً - ما جعل هذا الإنتاج ، ينال هذه الحظوة والتقدير، هو أن وراء هذا الإنتاج، نوع من الدراسة والإطلاع، الذي تجاوز المصادر التي تعود عليها الموجهون التقليديون، مع ما يصحب هذه الدراسة من السير في الأرض، ورؤية هذا العالم المعاصر الذي نعيش فيه ونتأثر به. وليس الذي جعل إنتاج هؤلاء في هذا المقام، لأنهم كتبوا حاشية، أو تقريراً، أو متناً للفقه التقليدي، وإنما لأنهم طرقوا شيئاً جديداً ، ليس في الأسلوب فقط، بل بما يمس الواقع المتجدد، بل ولأنهم رأوا من آيات الآفاق والأنفس ما شهدت لآيات الكتاب، مما لم يتيسر لغيرهم. "
ويبين أن " ما يريد القرآن أن يعلمه للبشر، في تفسير ما يحل بهم، حين يلح في إظهار: أن مرد المشكلة، إلى ما بالنفس، وليس من الظلم الذي يحيق بالإنسان من الخارج، بل، من الظلم الذي ينزله الإنسان بنفسه. وهذا هو لب التاريخ، وسنة الاجتماع، الذي يقرره القرآن، وبإغفاله تظلم الحياة، وتنشأ الفلسفات المتشائمة الخانعة، أو الفلسفات المتسلطة المارقة. "
وفي الفصل الأول من الكتاب يؤكد المؤلف أن كثيراً من مفاهيم المسلمين عن الإسلام كثير منها ظنون وأوهام؛ ومنها مثلاً مفاهيم التغيير والنهضة حيث يظن كثير من المسلمين أن مجرد انتسابهم للإسلام وقيامهم بالصلاة والصوم مثلاً سيجعلهم قادة العالم، وسيهزم الأمم الكافرة دون الأخذ بالأسباب المادية من القوة والعلم والعمل وغيرها.
وفي رأي المؤلف أن قول الله تعالى ( حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) سنة دنيوية لا أخروية والمحاسبة في الدنيا جماعية وفي الآخرة فردية.
ويوضح المؤلف أن في الآية تغييران تغيير الله وتغيير القوم وفيها ترتيب بين حدوث التغييرين فالأول هو ما يقوم به القوم ثم يأتي بعد ذلك تغيير الله سبحانه، والرجاء بأن يُحدث الله التغيير الذي يخصه قبل أن يقوم القوم ( وهم المجتمع والأمة ) بالتغيير الذي خصهم الله به يكون هذا النظر مخالفاً لنص الآية.
وأن مجال كل من التغييرين تغيير الله وتغيير القوم مجاله ما بأنفس القوم. والنظر إلى المجتمع كفرد يسهل لنافهم التغيير الذي يَحدث فيه.
وعلينا أن نوقف هذا التيار - الذي يعم مختلف طبقات المجتمع، في التفسير المتناقض لأحداث التاريخ - التيار الذي تبطل معه مسؤولية البشر، أو يجعلها غير بارزة، أو يجعلها مستورة، بينما يبرز الجانب الذي يخص الله:
" وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " .
وينقل الأستاذ جودت سعيد عن ابن خلدون - رحمه الله - حقيقة علم التاريخ وغايته ما خلاصته:
" فإن التاريخ في ظاهره، لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول … وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق … وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق ".
ويضيف ابن خلدون في عبقرية نفاذة عن المؤرخين واستيعابهم للأخبار وجمعهم لها بقوله:
" وأدوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها فالتحقيق قليل، والتقليد في الآدميين عريق وسليل " .
ثم يعود الأستاذ جودت للحديث عن الآية موضوع الكتاب فيوضح أن الجانب المهم هو التغيير الذي يقوم به القوم، ويؤكد أن الاهتداء إلى سنن المجتمع هو من الدين بل في القرآن ولا علاقة له بنفي الإيمان بالدين.
ويضيف بأن سلوك الإنسان تابع لأفكاره ، وتغيير أفكار الإنسان يتبعه تغيير سلوكه ، وأن أثر ما بالنفس يظهر أثره ولو كان ما بالنفس وهماً؛ فالأوهام المسيطرة على الأفراد والشعوب تنتج أفعالاً خاطئة مضحكة، وكَشْف سنن التعامل مع النفس يجعل تغيير ما بها سهلاً.
وحذر الكاتب من العقيدة العبثية وبيّن معناها وأخطارها والآفات التي تتولد عنها ؛ كالغفلة والإعراض والتكذيب واتباع الهوى واتباع الآباء واختلاط المبدأ بالأشخاص وفكرة " ما بال القرون الأولى" والناس كلهم هكذا ! وغيرها من الآفات.
ويوضح في آخر الكتاب أن النضج الفكري يقلل من سيطرة الانفعالات على الإنسان وأن الخلاص من سيطرة الانفعالات ومن مستغليها إنما يكون بفهم السنن.
ويبدى المؤلف أسفه من أن موضوع تغيير المجتمعات له مقام العداوة في بحوث هذا العصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق