الاثنين، 7 يونيو 2010

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : أبو الحسن الندوي

-->
الكتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
المؤلف : أبو الحسن الندوي
الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت
لقد قرأت الكتاب حين ظهرت طبعته الأولى في أقل من يوم وأغرمت به غراما شديدا، حتى لقد كتبت في آخر نسختي وقد فرغت منه" إن قراءة هذا الكتاب فرض على كل مسلم يعمل لإعادة مجد الإسلام".
هكذا يقول الدكتور محمد يوسف موسى في تصديره لهذا الكتاب. ويذكر أن مشكلة العالم الإسلامي اليوم ليست في عدم الدعوة للإسلام بين غير المسلمين ، ولا في اكتساب مسلمين جدد، وإنما في انصراف المسلمين عن الإسلام إلى الغرب بحضارته وقيمه التي يدعو إليها وموازينه التي بها يزن الأمور . ومن ثم صرنا مسلمين بالاسم والولادة والموقع الجغرافي فحسب، وعزفنا عن الإسلام بالفعل ، حتى أصبحنا لا نعرفه في تشريعنا وتقاليدنا التي نأخذ هذه الأيام أنفسنا بها.
ويؤكد الدكتور موسى على رؤية الشاعر محمد إقبال الواعية بأن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ، ويساير الركب البشري حيث أتجه وسار ،بل خلق ليوجّه العالم والمجتمع والمدنية ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها إرادته ، لأنه صاحب الرسالة والعلم واليقين ، ولأنه المسئول عن هذا العالم وسيره واتجاهه ، ليس مقامه مقام التقليد والإتباع بل مقام الإمامة والقيادة والإرشاد والتوجيه ومقام الأمر الناهي، وإذا تنكر له الزمان وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة لا يستسلم ويخضع ويسالم الدهر، بل عليه أن يثور عليه وينازله ويظل في صراع معه وعراك حتى يقضى الله في أمره . إن الخضوع والاستكانة للأحوال العاسرة والأوضاع القاهرة ، والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد.
كما كتب الأستاذ سيد قطب رحمه الله مقدمة استعرض فيها الكتاب واثنى عليه وقدم الأستاذ أحمد الشرباصي صورة وصفية لمؤلف الكتاب بعنوان : أخي أبو الحسن.
ثم يتحدث الكتاب بأبوابه الخمسة ، فيبدأ برسم صورة صغيرة سريعة واضحة لهذا العالم قبل أن تشرق عليه أنوار الإسلام الأولى في المجتمعات الدينية المحرفة والوثنية حيث تسيطر عليه روح الجاهلية والظلم والعبودية والترف الفاجر والحرمان التاعس، وتغشاه غاشية الكفر والضلال والظلام.
فإذا فرغ المؤلف من رسم هذه الصورة بدأ يعرض دور الإسلام في حياة البشرية.. دورة في تخليص روح البشر من ذلك الواقع التعيس وبناء العالم على أسس من العفة والنظافة والإيجابية والبناء والحرية والتجدد والمعرفة واليقين والثقة والإيمان والعدالة والكرامة، ومن العمل الدائب لتنمية الحياة وترقيتها وإعطاء كل ذي حق حقه فيها.
ثم تجيء الفترة التي فقد فيها الإسلام الزمام بسبب انحطاط المسلمين وتخليهم عن القيادة التي يفرضها عليهم هذا الدين، والوصاية التي يكلفهم بها على البشرية، والتبعات التي ينوطها بهم في كل اتجاه.
وهنا يستعرض الكاتب أسباب هذا الانحطاط الروحية والمادية ويصف ما حل بالمسلمين أنفسهم عندما تخلوا عن مبادئ دينهم، ونكصوا عن تبعاتهم، وما نزل بالعالم كله من فقدانه لهذه القيادة الراشدة ومن انتكاسه إلى الجاهلية الأولى ، ويرسم خط الانحدار الرهيب الذي ترتكس فيه الإنسانية في ذات الوقت الذي تفتح فيه آفاق العلم الباهرة.
ومن خلال هذا الاستعراض ، يحس القارئ بمدى الحاجة البشرية الملحة إلى رد الإنسانية إلى الهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الجاهلية إلى المعرفة وبمدى الخسارة التي حلت بالبشر جميعا لا بالمسلمين وحدهم في الماضي والحاضر والمستقبل القريب والبعيد.
كذلك يثور في نفس المسلم بصفة خاصة روح الندم على ما فرط وروح الاعتزاز بما وهب ، وروح الاستشراف إلى القيادة التي ضيّع.
وقد لفت نظر الأستاذ سيد قطب " رحمه الله" – بعد هذا الاستعراض للكتاب – تعبير المؤلف دائما عن النكسة التي حاقت بالبشرية كلها منذ أن عجز المسلمون عن القيادة بكلمة " الجاهلية" وهو تعبير دقيق الدلالة على فهم المؤلف للفارق بين روح الإسلام وروح المادية القديمة والمعاصرة .. فالجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة ولكنها طابع روحي وعقلي معين يبرز حين تسقط القيم الأساسية للحياة البشرية كما أرادها الله وتحل محلها قيم مصطنعة تستند إلى الشهوات الطارئة.
والمؤلف في كتابه هذا لا يعتمد على التعبيرات والجمل النارية، بل على الحقائق الواقعة التي يشرك فيها معه الباحثين والمؤرخين من القدامى والمحدثين الذين يدين بعضهم بغير الإسلام ، فلا شبهة أن يكونوا مغرضين له.
ويضيف الأستاذ سيد بأن الخصيصة البارزة في هذا الكتاب كله هو الفهم العميق لكليات الروح الإسلامية في محيطها الشامل، وهو لهذا لا يعد نموذجا للبحث الديني والاجتماعي فحسب ، بل نموذجا كذلك للتاريخ كما ينبغي أن يكتب من الزاوية الإسلامية.
والكتاب هو أول وأحسن كتب المؤلف الكثيرة، وقد طبع طبعات كثيرة جدا، وترجم إلى عدة لغات عالمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق