الأربعاء، 2 يونيو 2010

كل مسلم داعية

التقيت مع أحد الدعاة العرب في دولة أوروبية هاجر إلى هناك قبل عدة عقود لطلب الرزق ‘ وكان مما قال عن حالته الاجتماعية ( إن ابنه الأكبر يدرس في كلية الهندسة، والثاني سيدخل الطلب ليكونا داعيتين للإسلام هناك: إذ ليس شرطاً أن يكون الداعية متخرجاً من جامعة إسلامية فكل مسلم داعية سواء كان طبيباً أم مهندساً أم محامياً.. الخ.

وهذه كلمة نفيسة، ومفهوم إسلامي أصيل - صدر عن رجل ليس من فقهاء المسلمين ولا من علمائهم - ليته يستقر في خلد وذهن كل مسلم كي يعلم أن الدعوة إلى الله واجب كل مسلم مهما كان تخصصه ومركزه الاجتماعي، وقدراته الشخصية، وإمكاناته المالية؛ الإسلام لم يعرف " رجال الدين " بل إن هذا اللفظ وفد إلينا من الغرب النصراني (المسيحي) الذي دارت على أرضه رحى معركة ضروس استمرت عشرات السنين بين الكنيسة والعلم، بل بين الدين والحياة. حين أراد رجال الدين النصراني أن يحتفظوا بمكانتهم القيادية لمجتمعات الغرب، وألا يمسك زمام الأمر علماء الفلك والأرض وسائر العلوم.. الذين خرجوا بنظريات مناقضة لآراء الأناجيل المحرفة، واستخدمت الكنيسة أبشع الوسائل لرد هؤلاء الباحثين ولكن دون جدوى إذ أن الحق كالشمس مهما غابت فلا بد أن تطلع.. وانتصر العلم على الكنيسة، وانعزلت الأخيرة عن الحياة، ورفع الغرب الشعار العلماني المشهور " دع ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله " .. وانقسم الناس هناك إلى كثرة كبيرة هم رجال الدنيا وقلة ضئيلة في الكنائس والمعابد هم رجال الدين، وغاب تأثير الفئة الأخيرة على الحياة العامة تماماً.

لكن للإسلام وضع مختلف حيث لم يعرف محاكم التفتيش، بل هو نظام شامل لشئون الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . وأخرج الإسلام رجالات كانوا هم رجال العلم والدين والحياة، بل إن من علماء الإسلام المشهورين من تبحر في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه واللغة والطب والكيمياء والفلك.

ومع بدء تراجع المسلمين عن دينهم غزاهم عدوهم مادياً وفكرياً فأخذوا منه عاداته وتقاليده ومفاهيمه وأخطائه، وكان من ضمن التقاليد الاجتماعية التي أخذوها هذا المفهوم المنحرف.. إذ أصبح أهل الدعوة هم العلماء والمشايخ والمتخرجون من التخصصات الشرعية فقط من قال هذا.. إن جنة الخلد ليست مقصورة على هؤلاء بل هي لكل مسلم يؤمن بربه ويعمل صالحاً مهما كان تخصصه ومركزه " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . إذن فطالب الشريعة والهندسة والآداب والاقتصاد.. كلهم يغارون على دينهم ويلتزمون به ويدعون إليه.

صحيح أن الإفتاء والبحوث الشرعية المتخصصة مقصورة على أهل الذكر المختصين " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " ولكن الدعوة إلى الإسلام والغيرة عليه واجبة على الطبيب والمعد التليفزيوني والكاتب الإذاعي والمحرر الصحفي والمحلل السياسي والباحث الاجتماعي.. الخ.

بل حتى ولو صعب على بعض هؤلاء الالتزام التام بالإسلام فإنه لا يبرر التقصير بالتقصير ، ويعرض عن الدعوة والغيرة على دينه .. كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بلغوا عني ولو آية" وكل مسلم مهما قل علمه واشتد تقصيره يستطيع أن يبلغ آيات كثيرة.

وإذا تحقق هذا فسيكون المجتمع كما قال عليه الصلاة والسلام ( كالجسد الواحد ) وتقوم كما قامت في صدر الإسلام - أعظم وحدة اجتماعية، ويتحقق المجتمع المنشود وما حققه المجتمع الإسلامي الأول من انتصارات عظيمة وحضارة أسعدت العالم كله.

والخطوة الأولى لهذا الحلم الذي سيتحقق بإذن الله أن نعلم جميعاً أن " كلاً منا على ثغر من ثغور الإسلام.. فالله الله أن يؤتي الإسلام من قبله ".

الحياة 15643 - 2/ 1/ 1427 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق