الثلاثاء، 1 يونيو 2010

أين السعادة

أين السعادة ؟
في رسالة لطيفة لابن حزم الأندلسي عنوانها " الأخلاق والسير في مداواة النفوس " ذكر أنه بحث عن غرض يستوي الناس كلهم في استحسانه وطلبه، إذ في الناس من لا يريد المال واللذات ويؤثر عدمها على وجودها ككثير من الأنبياء والزهاد. وفيهم من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على الشهرة والصيت، وفيهم من لا دين له فلا يعمل للآخرة، ومنهم من أهل الشر ممن لا يريد الخير ولا الحق وفيهم من يؤثر الجهل على العلم كأكثر العامة. ثم لم يجد إلا غرضاً واحداً يستوي الناس كلهم في استحسانه وطلبه وهو طرد الهم، وبتعبير آخر: السعادة، وهو مذهب اتفقت عليه كل الأمم !
ويقول ابن حزم بعد هذا الكشف الرفيع: وجدت العمل للآخرة سالماً من كل عيب خالصاً من كل كدر، موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة. ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر، إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد، ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم، إذ ليس مؤاخذاً بذلك، ورأيته إن نكبته نكبة سر، وإن تعب فيما سلك فيه سر، فهو في سرور متصل أبداً، وغيره بخلاف ذلك أبداً ويذكر أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط، لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن، إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه، وفي هذا يقول المتنبي:


                               أشد الغم عندي في سرور                                 تيقن عنه صاحبه انتقالا


إلا العمل لله عز وجل فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل، أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس وإنك به معظّم من الصديق والعدو وأما في الأجل فالجنة. ويلخّص ابن حزم كل ما ذكره بقوله: فأعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم، وليس له إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى. وقد جمع بعض الفضلاء مقتبسات من كتابات السلف في هذا الموضوع كابن تيميه وابن القيم والسيوطي وابن حجر والسعدي رحمهم الله وذلك في كتاب "الهداية لأسباب السعادة". ومن الذين بحثوا في هذه القضية الكاتب الأمريكي ديل كارينجي في كتابه المشهور " دع القلق وأبداً الحياة " وقد رده إلى الأصول الإسلامية الشيخ محمد الغزالي في كتابه الرشيق " جدد حياتك ".
وذكر هؤلاء جميعاً أسباباً وطرقاً معدودة للسعادة أهمها التوحيد والإيمان والعمل الصالح، الاهتمام بالحاضر وترك التفكير بالمستقبل، طلب العلم الشرعي " علوم القرآن والسنة "، الإحسان إلى الآخرين، دوام ذكر الله، ترك فضول الأكل والنوم والكلام والنظر والاستماع والمخالطة، مقابلة الإساءة بالإحسان، الاشتغال بعلم أو عمل نافع، التحدث بنعم الله، النظر إلى من هو أسفل منه في متع الحياة، عدم طلب الشكر إلا من الله، السعي إلى إزالة أسباب الهم، الدعاء، تقدير أسوأ الاحتمالات التي تنتهي إليها الأمور، التوكل على الله، الشجاعة وقوة القلب. وملخص ما سبق موجود في قوله عز وجل" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".


رسالة الجامعة عدد 231


16/ 6/ 1407 هـ
14 / 2 / 1987 م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق