الكتاب: نظرات في مسيرة العمل الإسلامي
المؤلف: عمر عبيد حسنة
الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت
هذا هو الإصدار الثامن في سلسلة ( كتاب الأمة ) التي تصدرها رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر الشقيقة، وهو مجموع من المقالات الافتتاحية التي كتبها المؤلف لمجلة الأمة الشهرية التي صدرت عن الرئاسة ورأس تحريرها.
ويوضح الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في تقديمه للكتاب أن أغلب العاملين في الحقل الإسلامي لا يريد الاعتراف بالأولويات التي يتوزع عليها الاهتمام وتتضافر حولها الجهود.
وقد تشغله نافلة عن فريضة، بل قد تشغله سنة عادية، أو تقليد متوارث، وشيء آخر يثير الحسرة: رفض دراسة الأخطاء التي تورط فيها بعضنا، ولحقتنا منها خسائر جسيمة !
ويسارع الغزالي إلى القول بأن الأخطاء لا تخدش التقوى ، وأن القيادات العظيمة ليست معصومة ، ولا يهز مكانتها أن تجيء النتائج عكس تقديرها .. إنما الذي يطيح بالمكانة تجاهل الغلط، ونقله من الأمس إلى اليوم وإلى الغد، وادعاء العصمة، والتعمية على الجماهير المسترسلة.
إن هذه الكبرياء لاتقل دمامة عن العوج الذي نحاربه في صفوف خصومنا ، ونزدريهم من أجله!!
وقد لا حظت أن الأستاذ " عمر عبيد" في توجيهه الشهري يبرأ من الآفات التي أومأت إليها ، وأنه يلمح بذور الخير في أي ميدان فيبرزها وينميها ويوجهها لخدمة الإسلام.
ويلمح الأخطاء فيحاصرها في صمت ويمنع تكاثرها ويأخذها في نقصها من أطرافها ..
وهو يبحث عن الخير بين من هو معه ومن هو ضده ، ويستعين به على بلوغ هدفه ، ولا يتجاهل الشر وإن وقع بين الأقربين منه، وإنما يعمل بأدب ورفق على حسمه وحماية المسلمين من غوائله.
والرجل يتحاشى الحدة في خصامه وفي سلامه،وقد أعانه هذا الهدوء الفكري على المضي في طريقه يبني ولا يهدم ويصل ولا يقطع، ويستفيد من إمكانات يعجز عنها أصحاب المشاعر المهتاجة أو الأبصار الكليلة. ولعل هذا الكتاب يكون تصويرا حسنا لحاجات الصحوة الإسلامية في مرحلتها الحاضرة، وهي مرحلة لها ما بعدها في مستقبل الإسلام وجهاده ضد المتربصين به ، وما أكثرهم ...
ويذكر المؤلف - وفقه الله - في المقدمة أن هذه المقالات هي وجهات نظر تأتي في إطار المحاولة الإسلامية لإصلاح وتسديد الخطأ وتصويب المسيرة والتأكيد على أن العمل الإسلامي اليوم قد لا ينقصه الإخلاص- في كثير من الأحيان- وإنما الذي ينقصه ولا يزال يفتقد إليه هو الصواب كشرط فني لازم، وأحد طرفي المعادلة لا تتحصل النتيجة إلا بتحققه ، ولا يتأتي هذا إلا بالتعرف على السنن التي شرعها الله لحكم الحياة والأحياء، وحسن التعامل معها ، والتحول من عقلية التبرير والتسويغ إلى منهج دراسة الخلل، وبيان أسباب ومواطن التقصير، وإغناء ساحة العمل الإسلامية بالدراسات النقدية التقويمية.
والمقصود بالعمل الإسلامي كل أصحاب الفاعلية الموجودين على الساحة الإسلامية ، الذين يرون في الإسلام طريق الخلاص ويؤدون دورهم ويستشعرون مسؤوليتهم تجاه ذلك بمختلف الوسائل المشروعة بمواقعهم المختلفة سواء أنتظمتهم جماعات أو جمعيات أو مؤسسات ذات نظم معينة، أولا ... بل قد نرى الإنسان المسلم مهما أختلف موقعه- أن كان يتمتع بفاعلية – أحق بصفة العمل الإسلامي من الآخر الذي انطفأت فاعليته مهما كانت صفته لأن القضية اليوم قضية فاعلية مبصرة على الساحة الإسلامية وليس قضية رسوم وأشكال، ذلك أن التنظيمات والجماعات والمؤسسات إنما هي وسائل ترجو أن تكون أكثر كسباً للقضية الإسلامية وإثارة للاقتداء وليست غاية بحد ذاتها أو مراكز احتكار للإسلام أو ساحة أقضية لإصدار الأحكام على الناس.. إن مهمتها الهداية وليست الجباية..
ويرى الأستاذ عمر عبيد حسنة أنه من الأمور الضرورية للعاملين في الحقل الإسلامي أن تكون لهم وقفات للمراجعة واختيار المنهج ووسائل العمل وإخضاعه لنوع من التخطيط والدراسة وحساب الاحتمالات وأن ما قدمه في هذا السبيل لا يشكل أكثر من نافذة أو خطوة على الطريق، وليس لنا أن ندعي أننا بهذا نغطي قضايا العمل الإسلامي وجوانبه المتعددة ومشكلاته الكثيرة والمتشعبة كما قد يوحي بذلك العنوان ، وإنما هي بداية نرجو أن تكتمل بجهود إخوة ممن تهمهم القضية الإسلامية ويستشعرون مسؤوليتهم في المناصحة.
ويؤكد الأستاذ عمر عبيد أننا نعتقد أننا المسئولون عن هزائمنا وتخلفنا وعجزنا مهما حاول بعضنا الإلقاء بالتبعة على الآخرين ،استجابة لخطاب التكليف وتحديد المسؤولية في قوله تعالى : ( قل هو من عند أنفسكم ).
فليس العيب الوقوع في الخطأ فكل ابن آدم خطاء، وإنما العيب في الإصرار عليه وعدم الاعتبار به وتكراره ومجانبة الخيرية والوصول إلى توبة الفكر والسلوك- وخير الخطاءين التوابون- والذي نرجوه أن لا تعتبر أية جهة أنها المقصودة فيحول ذلك دون الاستفادة والإفادة . ذلك أن هذه الملاحظات لا تنتمي إلى أية جماعة أو جهة وإنما تنتمي إلى الإسلام بكل شموله ورحابته وتجيء من موقع الشعور بمسؤولية النصح لله ورسوله ولائمة المسلمين وعامتهم.
وفي بداية الكتاب يوضح المؤلف أن التستر على الأخطاء باسم المصلحة العامة، وحفظ الكيان ، والتوهم بأن الحسبة في الدين تؤدي إلى البلبلة والتمزق أمر خطير، ومفسدة فظيعة تدفع الأمة ثمنها الدماء الغزيرة ، وليس هذا فقط ، بل قد يؤدي هذا إلى ذهاب الريح وافتقاد الكيان أصلاً فالأمة بدون هذه الحسبة وهذا التناصح تعيش لوناً من التوحد يشبه إلى حد بعيد الورم الممرض.
من هنا كانت صورة المسلم الحق في عدم التحجر والتزمت على صورة مهما كانت طبيعتها ، بل هو على استعداد دائم للانتقال من النافع إلى الأنفع، ومن الصالح إلى الأصلح، وقبول الحق إذا اتضح ، والدليل إذا وضح، وعدم السقوط في الحزبية القاتلة، والعصبية المدمرة .
ومن هنا فالالتزام إنما يكون دائما وأبداً بالمنهج الإسلامي، بالفكرة، بما شرعة الله لنا، وليس الالتزام بالأشخاص، أو التنظيمات، أو الجماعات، أو الحكومات التي هي دائما محل للخطأ والصواب.
ومن هنا أيضا كان الإسلام لكل المسلمين ، وكان مجتمع المسلمين مجتمعا مفتوحاً يتألق بالحقيقة والاستقامة واستنشاق الهواء النظيف بعيدا عن سياط الإرهاب الفكري دينيا كان أو سياسيا ، لا عصمة فيه لطبقة من حكام أو رجال دين يحتكرون المعرفة أو يتحدثون باسم الله فيصبح قولهم هو القانون وهو الدين وتصبح أشخاصهم هي المقياس ، فيتسلل الأكليروس من جانب والحكم الثيوقراطي
( الديني) الذي مارسته الكنيسة في القرون الوسطى من جانب آخر إلى حياة المسلمين، وبذلك يكون الفساد والإفساد.
والمسلم كفرد والمسلمون كجماعة مطلوب إليهم دائما أن يكونوا في مستوى إسلامهم بناء، استجابة لخطاب التكليف، وفي مستوى عصرهم فهما وحركة وإدراكا لطبيعة المتغيرات التي لا تتوقف عند حد لتكون وسائلهم في العمل الإسلامي في مستوى العصر.
إن وسائل العمل الإسلامي وطرائقه وأساليبه وهياكله وعناوينه التي أصبحت عند بعضهم دينا لا يمكن تجاوزه إنما هي أمور اجتهادية تخضع لقانون التغيير والاستبدال وليست لها صفة القداسة والثبات ، ذلك أن الأهداف الإسلامية من الثوابت ، والوسائل لتحقيق هذه الأهداف من المتغيرات ؛ بشرط واحد أن تكون أوعية هذه الوسائل شرعية ومحكومة بضوابط الشريعة أيضا.
فالغاية لا تبرر الوسيلة الأمر الذي بدأ يتسلل إلى بعض النفوس بسبب من الاجتهاد المريض والرؤية القاصرة.
ويمكن أن تكون لبعض الوسائل جدوى في عصر معين، وقد تكون إنما جاءت استجابة لمواجهة مشكلات معينة في مجتمع له ظروفه واهتماماته.
أما وقد تبدل الزمان وتغيرات المشكلات وصورة المجتمع؛ فإن الجمود على وسائل بعينها في العمل وعدم القدرة على تجاوزها إنما هو حرب في غير معركة، وانتصار بغير عدو، ويخشى أن يكون مضيعة للعمر والأجر معا.
وفي حديث الأستاذة عمر عن وجوب انتقال الدعوة من مرحلة الانفعال والدفاع والخطب إلى مرحلة الخطط والفعل والمبادرة والإقدام والانجاز ويضرب كثيراً من الأمثلة على ذلك وكيف وظفت الدعوة الإسلامية بل الإسلام نفسه في معارك خاسرة بل قد تتطور الأمور أكثر فأكثر لتصبح الدماء الإسلامية محلا لتصفية الحسابات الدولية... إن الكثير من القضايا غير الإسلامية تصفى اليوم في عالم المسلمين على حساب الدماء المسلمة ، فهل نعيد النظر في حساباتنا ودراسة معاركنا وجدواها، ونضع إستراتيجية صحيحة لمعركتنا ،وننتقل من معركة تحقيق الذات إلى مرحلة تفتيش الذات وتقويم الذات.
وفي بقية فصول الكتاب يتحدث الكاتب عن بعض أحداث السيرة النبوية ويربطها بواقعنا المعاصر، ويتكلم عن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية ويؤكد أن الشريعة أوسع من الحدود والعقوبات وأنها تشمل مجالات الحياة كلها كالإعلام والتربية والاقتصاد.
ويتحدث عن بعض المفاهيم التي ينبغي أن تصحح حتى في صفوف بعض الدعاة.
ثم يقلّب المؤلف ثلاث أوراق في تاريخ الأمة الإسلامية تحكي أن هذه الأمة مهما بلغ بها ا لإنكسار والهزيمة فلابد أن تعود إلى رشدها وقوتها وهذه الصفحات هي قصص القرامطة والصليبين والمغول.
ويختم الكتاب بإلقاء أضواء فكرية دعوية واقعية على بعض المقاطع من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
ألا ما أحوج الساحة الإسلامية لمثل هذه الدراسات النقدية الذاتية لمسيرة الدعوة الإسلامية المعاصرة الرسمية والشعبية، حتى لا تصبح هذه الساحة ميداناً لتكرار الأخطاء والخروج من كارثة إلى أخرى !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق