الأربعاء، 2 يونيو 2010

فن الدعـــوة


انتشر الإسلام في جنوب شرقي آسيا (إندونيسيا - ماليزيا … ) دون أن يصلها الغزاة المجاهدون ولا الدعاة الجائلون بل بما وجد أهلها من أمانة التجار الحضارمة المسلمين وحسن معاملتهم، وقريباً من ذلك حدث في غرب أفريقيا فالدعوة إلى الله خلق وتعامل قبل أن تكون كلاماً ومواعظ؛ ولسان الحال أصدق من لسان المقال.

والدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية.

والدعوة شحنة روحية إيمانية وجدانية تسرى من نفس الداعية إلى المدعوِّين من غير أن تنقص من إيمانه شيئاً.

وأهم صفة للداعية هي الإخلاص والإيمان العميق بفكرته مع سعة في الثقافة والاطلاع والأفق.

كما ينبغي للداعية أن يكون واعياً نبيهاً كيساً فطناً يدرس واقع الذين يريد أن يدعوهم ، ويختار الطريقة المناسبة لدعوتهم.

فما يصلح لبلد ما ربما لا يصلح لبلد آخر، وما كان يفيد قبل أربعين سنة لم يعد هو المفيد الآن، وما يتفق مع شخص قد لا يتفق مع آخر.

إن الوعي يفرض على الناس احترام صاحبه، ويحول دون أن يستغله مستغل، فمثلاً الخوض في بعض الأبحاث - التي لم يتعرض لها الدين - على أنها من الدين موقف ينافي الوعي.. وذلك كالقول بأن الأرض ليست كروية الشكل، وأن الدين ينص على ذلك، وأن الأرض لا تدور.. وتحميل نصوص القرآن ما لا تحمل..أو ما لم يفهمه من حمَّل ، وما كان أغنى الساحة الإسلامية عن الدخول في مثل هذه المعارك الفارغة ـ إلى آخر ما هنالك من القضايا التي لا علاقة للدين بها،

إننا لنرى ألواناً من الاستغلال يُستغل فيها بعض الذين يسمون بالدعاة أبشع استغلال، وبعض هؤلاء دجالون يتاجرون بالإسلام ولا يُستغلون بالمجان.. وإنما يتقاضون الثمن بخساً أحياناً وضخماً أحياناً، غير أنه يوجد إلى جانب هؤلاء أناس ليسوا بالدجالين.. ولكنهم استغلوا لفقدانهم الوعي.

والداعية إلى الله طبيب فلكل داء دواء يخصه وكل مشكلة عنده لها حل مناسب؛ فتارة تكون الدعوة بالأسلوب غير المباشر وأخرى تكون بالأسلوب المباشر.

ويحرص الداعية على استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة كالفضائيات والإنترنت والسينما والمسرح والصحافة؛ وتكون الدعوة بإنتاج الأفلام النافعة والمسلسلات الهادفة وصناعة الفن الرفيع والأدب الراقي الذي يشمل القصة والرواية والمسرحية والشعر الغنائي والقصصي والتمثيلي وغير ذلك...

وإذا كنا في عصر التخصص، فنحن بحاجة إلى المتخصصين في. طائفة محددة من المدعوّين، فهناك دعاة لكل من: العمال، الأميين، البادية، الرياضيين، الفنانين، رجال الإعلام والصحافة، السجناء والمجرمين، المحاربين للدعوة بأقلامهم وإمكاناتهم، الحكام والمسئولين ورجال السياسة، المتدينين!، المثقفين والجامعيين، غير المسلمين، الطوائف الإسلامية والمبتدعة. وتكون هناك الداعيات إلى جانب الدعاة.

وحبذا لو كان داعية كل فئة وطائفة من أهل تخصص هذه الفئة أو قريباً منها، فداعية الأطباء طبيب، وداعية الإعلاميين من المتخصصين في الإعلام وهكذا ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ).

والداعية نفسه يحسن به أن يتخصص في مجال من مجالات الدعوة؛ فإما أن يكون كاتباً أو باحثاً أو مؤلفاً أو واعظاً وخطيباً أو داعية متجولاً أو صحفياً وإعلامياً أو مربياً أو عاملاً في مجال الإغاثة.

وبذلك يوجد لدينا الداعية المتخصص إلى جانب الداعية الشامل.

كما ينبغي في الدعوة أن تتضافر فيها الجهود الجماعية المؤسساتية مع الفردية، والشعبية مع الرسمية؛ وتكون العلاقة بين تلك الأطياف تعاونا وتكاملا لا تصادما وخصاما.

ومن أهم صفات الداعية ووسائله في الدعوة غير ما ذكر:

- إتقان فن تأليف القلوب ويشمل:الابتسامة و الكلمة الطيبة(وكلاهما صدقة )، الخلق والمعاملة الحسنة واللطافة، الهدية، الأناقة وحسن المظهر من غير تكلف ولا مبالغة، النكتة والدعابة غير المتكلفة؛ والتكلف عموماً من الصفات المذمومة (قل ما أسألكم عليه من أجر، وما أنا من المتكلفين)، الإحسان إلى الناس وخدمتهم وقضاء حوائجهم.

- التدرج؛ فعلى الداعي أن يقدِّر مدى صعوبة انتقال الإنسان طفرة من منتهى التفلت والشرود إلى كامل الالتزام والانضباط بالأحكام. فيعالج ذلك بالحكمة التي لا تلجئه إلى التلاعب بالأحكام، ولا تحبسه فيما يشبه وظيفة المفتي إذ يرى أن كل ما هو مكلف به أن يقدم للناس قائمة دقيقة تتضمن أحكام الحلال والمحرمات والواجبات.

- فقه التيسير والرخص الشرعية.

- التركيز على المتفق عليه وتأجيل الخلافيات.

- مخاطبة الناس على قدر عقولهم (حدّثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يُكذَّب اللهَ ورسولَه).

- القدوة.

- البعد عن المثاليات.

- حذارٍِ من أن تتحول إلى داعية إلى نفسك أو بلدك أو حزبك أو جماعتك..

- أنت المستفيد الأول من الدعوة فهي سبيلك إلى العبادة والالتزام والعلم والوعي والثقافة ..

- ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السأم ).

- لا تركز على عيوب المدعوين وأخطائهم، ولا يشعر الحاضرون أو بعضهم أو أحدهم أنه المقصود بالكلام وليكن منهجك في الدعوة ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ).

- لا تخاطب المدعوين من علو، ولا تمارس عليهم الأستذة ؛ فهذه أسرع الطرق لهروبهم منك.

- لا تسترسل مع الحيل النفسية، والعوائق شبه الوهمية التي تثبطك عن الدعوة فالمعاملة الحسنة لا تحتاج إلى إمكانات ولا ميزانيات؛ وكثير من الصحابة ( أئمة الدعوة الإسلامية ) - خاصة أول الإسلام وفي ذروة العمل الدعوي - كانوا فقراء معدمين مثل أصحاب الصفة ( ما الفقر أخشي عليكم ).

ومما يعين الداعية في الوصول إلى أكبر شريحة ممكنه من الناس الإلمام بطرف من العلوم الحديثة اللازمة للدعوة كالتربية والإدارة والإعلام وبعض اللغات الأجنبية (وما لا يدرك كله لا يترك كله ).

الجزيرة ـ عدد 12587 تاريخ 26/2/1428

منارات ـ عدد 27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق