الأحد، 27 مايو 2018

لماذا غضب الغيورون على وطنهم من مسلسل العاصوف : د. أحمد بن عثمان التويجري


في مقالة عجيبة تجردت في نظري من الحد الأدنى من المهنية الإعلامية ، بل ومن الحد الأدنى من اللبرالية ، التي يدعي كاتب المقال الانتماء إليها، صب الصديق العزيز الإعلامي البارز الأستاذ عبدالرحمن الراشد جام غضبه على من انتقدوا مسلسل العاصوف ، وسماهم ب”المتطرفين” و “الأصوات المتطرفه” و “شهود الزور” ، وبالغ في حماسه في الدفاع عن المسلسل الذي تعرضه قناة إم بي سي هذه الأيام إلى درجة أوحت للقاريء بأن المسلسل على عكس ما نعته به منتقدوه سيحصد كل جوائز الدراما العالمية في العام القادم بدءاً من مهرجان كان للأفلام إلى بينالي البندقية السينمائي. أستميح أخي عبدالرحمن الراشد ومن نهجوا نهجه العذر في أن أناقشهم بهدوء وتجرد قدر الإمكان حول ما أبدوه من غضب شديد تجاه منتقدي المسلسل ، وأملي أن تتسع صدورهم لذلك وبخاصة أننا في شهر كريم من أهم مقاصد الصوم فيه تعويد الأنفس على التحمل ومقاومة الأهواء. لا أدري على أساس جزم أخي الأستاذ عبدالرحمن الراشد بأن جميع معارضي المسلسل هم من “المتطرفين الصحويين” ولا على أي أساس حكم عليهم بأنهم “شهود زور” ؟ ، فمن متابعتي لعدد كبير جداً ممن انتقدوا المسلسل في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي لم أجد “متطرفين صحويين” وإنما وجدت شرائح متعددة من المجتمع السعودي تضم كتاباً وأكاديميين وفنانين غير محسوبين على تيار الصحوة بل وبسطاء من عموم الناس عبروا بعفوية تامة وبمنهج فطري عن عدم رضاهم عن الصورة المجحفة التي قدم المسلسل المجتمع السعودي بها. منتقدوا المسلسل لا ينكرون وجود ممارسات شاذة في المجتمع السعودي لا الآن ولا في عهد عهد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، فوجود الاستثناءات والشذوذات في المجتمعات من سنن الوجود ، ولكنهم يعترضون على إبراز الحالات الشاذة جداً المرفوضة من المجتمع ديناً وخلقاً وعاداتٍ وتقاليد بشكل درامي يوحي للمتلقين وبخاصة من لا خبرة لهم بحقيقة المجتمع السعودي بأن تلك الشذوذات هي السمة الغالبة على المجتمع أو أنها غير مرفوضة بشكل كبير في أقل الحالات ، ويتساءلون في الوقت نفسه عن مدى الحاجة لإبراز تلك الحالات الشاذة والنادرة بالطريقة التي أبرزت بها ؟، كما يتساءلون عن مدى مناسبة عرض قصص الزنا وهتك أعراض الجيران وتهوين مقدماتهما من التحرشات والغزل في شهر أنزل فيه القران وشُرع الصوم تزكية للنفوس وتطهيرا للأبدان؟!. هذه هي أوجه الاعتراضات الحقيقية على مسلسل العاصوف والمسلسلات الشبيهة التي تجاهلها أو شوهها وللأسف الشديد أخي الأستاذ عبدالرحمن الراشد ومن نهجوا نهجه. كنت أتمنى أن يدرك أخي الأستاذ عبدالرحمن الراشد وهو الإعلامي المعتق أن مسلسل العاصوف يُعرض في ساعات الذروة التي تجمتع فيها الأسر رجالاً ونساءً وأطفالاً على مشاهدة التلفاز ، وأن مثل هذه الأوقات لا يجوز فيها عرض المشاهد بل ولا الإيحاءات التي لا تناسب صغار السن والمراهقين من الأولاد والبنات. وكنت أتمنى أن يتذكر وهو الخبير بالغرب “مهد اللبرالية” ، أن المجتمعات الغربية وضعت تصنيفاتٍ للأفلام والمسلسلات وإرشاداتٍ وقيوداً صارمة على من يحق لهم مشاهدة كل صنف منها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تصنف الأفلام والأعمال الدرامية في خمس درجات هي : General audiences عموم المشاهدين Parental guidance suggested يوصى بإشراف الوالدين Parents strongly cautioned تحذير شديد للوالدين Restricted مشاهدة مقيّدة أو محدّدة No one 17 or under admitted لا يسمح لمن هم دون سن السابعة عشرة بالمشاهدة فهل من المعقول و المقبول أن تكون أمريكا أكثر حرصاً على قيم مواطنيها وأخلاقهم ومشاعرهم من مهد الإسلام ومهبط الوحي وأرض الحرمين وقبلة الأمة!!! لا أدري على أي دراسات أو مرجع إحصائي اعتمد الأستاذ عبد الرحمن الراشد حين قال بكل ثقة : “المتطرفون محقّون في غضبهم لأن المسلسل فتح الصندوق القديم، فأكثر من ثمانين في المائة من المشاهدين لم يعيشوا تلك الحقبة، وأغلبهم يتصورون أن مدينة الرياض القديمة كانت بلدة مظلمة، وسكانها كانوا جهَلة منغلقين متطرفين”. ؟! أي عقل وأي موضوعية يمكن أن يبررا مثل هذا القول المنفلت ؟ كنت أؤمل كذلك أن تتسع لبرالية أخي عبدالرحمن لوجهات نظر مخالفيه وأن يناقشهم بعلمية وموضوعية دون كيل التهم والتصنيفات الجائرة ، فما أحوجنا إلى إدارة اختلافاتنا وتعدد رؤانا واجتهاداتنا بعقلانية وموضوعية بعيداً عن التحزبات والتشنجات وتبادل الاتهامات. وبعد ، إن الحقيقة المرة هي إن كثيراً من مشاهدى مسلسل العاصوف (وبخاصة من غير السعوديين) بناء على ما تم عرضه حتى الآن من المسلسل سيخرجون بانطباعات سيئة ومشوهة عن بلد ومجتمع كريمين لهما مكانةٌ عالية في قلوبهم. وإن من المحزن والمؤلم أن ذلك يحدث لمجرد مماحكات فئوية وفجور في خصومة وللأسف الشديد. ——————————————————– د. أحمد بن عثمان التويجري مقال منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق