الأحد، 12 يناير 2020

ليس من الإسلام : الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

فشا في بلاد كثيرة بناء المساجد على قبور الموتى، إعزازًا لذكرهم، وتقربًا إلى الله، كما يقال، بمحبتهم ومجارتهم،
مع أن النصوص قاطعة بمنع هذا العمل ولعن مرتكبيه، وكان أولى بهؤلاء البانين أن يدعوا الموتى إلى ما قدَّموا،
وأن يقفوا عند حدود الله، فلا يعصون وصاياه.
وهذه البدعة تسربت إلى المسلمين عن النصرانية بعد تحريفها،
فقد صح عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، يقال لها "مارية"، وذكرت ما رأتها فيها، فقال رسول الله صلى الله علهي وسلم:
(أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك أشرار الخلق عند الله)
وهذه البدعة دخلت النصرانية من الوثنية الأولى،
فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس وغيره من السلف أن وُدًّا وسواعًا وأخواتهما، كانوا قومًا صالحين من أمة نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوَّروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فكان هذا مبدأ عبادة الأصنام.
وإغلاقًا لأبواب الفتنة وسدًّا لذرائع الفساد،
شدد النبي عليه الصلاة والسلام على المسلمين في حظر هذا المسلك، وعزم عليهم أن ينفضوا أيديهم من الموتى، وأن يستقبلوا الحياة بجهدهم وعزمهم، ودون تعويل على صالح مات أو بقي، فالإنسان لا يُجدي عليه، أمام ربه، إلا عمله.
وفي هذا الإرشاد المبين يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)،
ويقول: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ، ويقول: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا لا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن هذا)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لعن الله زوَّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج)
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها. وكان يوصي جيوشه، وهو يطارد الوثنية في جزيرة العرب، ألا تدع صنمًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّته.
وعن المعرور بن سويد قال: صليت مع عمر بن الخطاب، في طريق مكة، صلاة الصبح، فقرأ فيها: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} ، و{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}
ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، بعد انصرافهم من الصلاة، فقال: أين يذهب هؤلاء؟
فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يصلون فيه! فقال:
إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعًا، فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، مَن لا فليمض ولا يتعمدها.
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ألا يكون قبره بعده عيدًا (أي موسمًا) تتلقى إليه الوفود.
والخبراء بحقائق الأديان وطبائع النفوس يعرفون وجه الحكمة فيما أمر به الله ورسوله، من تحريم اتخاذ القبور مساجد،
إن رجاء البركة أول ما يذكره الخارجون على هذه النصوص، أو المحرفون لها، لكن هذه البركة المزعومة سرعان ما تتحول إلى تقديس للهالكين واتجاه إليهم بالأدعية والنذور، واستصراخ بهم في الأزمات والنوائب، فإذا لم يكن الأمر شركًا محضًا، فهو مزلقة إليه، مهما كابر المعاندون.
وقد رأيتُ عشرات من الظلامات المكتوبة تُرمَى في ضريح الإمام الشافعي، أو ترسل إليه بالبريد!
وسمعت المئات من سفهاء العامة، يلهثون بالنجوى الحارة حول قبر الإمام الحسين وغيره!
ولم أرَّ أسفه من هؤلاء وأولئك إلا الذين يعتذرون عنهم، من صعاليك المتصوفة وأدعياء المعرفة.
على أن علاج هذه المناكر المبتدعة،
لا سبيل إليه إلا بإشاعة العلم والخُلُق،
وتهذيب العقول والطباع،
فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه
لم يهدم الأصنام إلا بعد أن مكث عشرين عامًا،
يكوِّن الأمة التي تؤمن بالله، وتكفر بالطواغيت.
الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
كتاب: ليس من الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق